مع أن كلدان مدينة ديترويت كانوا منذ عام ١٩٩٧ م وبإقتراح من مدير المركز الثقافي
الكلداني الأمريكي في ديترويت عامر فتوحي (مؤلف الكتاب) قد طرحوا فكرة كتابة التاريخ
القومي الكلداني مع التاريخ الميلادي في المراسلات الرسمية للمركز إلا أن ذلك لم يتم العمل
به إلا عندما ترسخ إستخدامه بعد عام ٢٠٠٠ م ، وبخاصة بعدما بدأ بعض الشباب الناشطين
من الكلدان في أستراليا بطرح ذات الموضوع ، حيث وصلني شخصياً ما يؤكد هذا بواسطة
المهندس (بسام فريتي) الذي طرح بدوره مجموعة من الإستفسارات والأفكار التي أتسمت
بالإيجابية ، ونتيجة لتزايد طروحات الكلدان في بلدان المهجر ولاسيما من قبل جمعية الثقافة
الألمانية العراقية / مجموعة المهندس عماد حنا والمجموعة الكلدانية في فرنسا / مجموعة
المهندس ليث دانيال ، ولأهمية الإتفاق على تاريخ علمي موحد ومدعم بالدليل العلمي فقد
طرح الموضوع لدراسة موسعة وبعد عدد من الجلسات بين مندوبين من منظمة المركز
الثقافي الكلداني في ديترويت وهي أقدم منظمة ثقافية قومية مسجلة في الولايات المتحدة منذ
عام ١٩٧٤ م وبين ممثلين من الرابطة العالمية للفنانين المحترفين الكلدان التي تضم أرفع
الدرجات العلمية في مجالات الفنون التشكيلية والتاريخ والعمارة فقد تم الموافقة على دراسة
الباحث عامر فتوحي المعنونة (التاريخ الكرونولوجي للأمة الكلدانية) التي كانت قد قدمت
عام ١٩٩٧ م للجنة التراثية التابعة للمركز الثقافي الكلداني الأمريكي في مدينة ديترويت
(المدينة الكلدانية) كما أدرجت بشكل مختصر منذ عام ٢٠٠٠ م في الصفحة الرابعة لموقع
الأنترنيت لعلم الكلدان القومي ( www.chaldeanflag.com ) ، وهكذا بدأت المراسلات
الخاصة بهاتين المنظمتين بإستخدام التاريخ القومي الكلداني الذي يبدأ بعام ٥٣٠٠ ق.م
الخاص بتأسيس أريدو عاصمة الكلدان الأوائل إلى جانب التاريخ الميلادي ، كما صارت
المراسلات الشخصية تستخدم هذا التاريخ بعد أن نشر المركز الثقافي الكلداني أول تقويم
قومي كلداني عام ٢٠٠٢ ميلادية حمل التاريخ القومي الكلداني ٧٣٠١ – ٧٣٠٢ كلدانية ، ذلك
أن السنة الكلدانية تبدأ في الفاتح من نيسان من كل عام .
ومن الجدير بالذكر أن الأحزاب السياسية الآشورية (مصطلح سياسي) قد دأبت على إستخدام
تاريخ ٤٧٥٠ ق.م كبداية للتاريخ القومي الآشوري ، ولأن الحكمة تقول : (الشك أساس
اليقين) ، فأنني سأسعى هنا لإثبات بعض الحقائق العلمية المادية التي تدحض هذا التصور
الخاطيء ، بخاصة بعد أن أوضحت كيفية أعتماد الكلدان لتاريخهم القومي الذي أدرجته
مختصراً في فصل (التاريخ الكرونولوجي للأمة الكلدانية) .
في المقابل صار البعضمن الناطقين بالسورث يبتكر بدوافع سياسية مصطلحات لا تخضع
لمنطق التاريخ متناسين أن حقائق التاريخ المادية قد أثبتت وبشكل لا يقبل الجدال ، بأن
حسابات البيادر المتخيلة لأمثال هؤلاء المتحمسين هي غير حسابات الحقل تماماً ، ومن
تلك التسميات المطروحة مؤخراً تسمية السنة (الكلدوآشورية) والسنة (البابلية الآشورية)
ولأننا أثبتنا بالحجة العلمية خطل التسمية كلدوآشور فإننا لن نناقش مصداقية هذه التسمية لأن
المقدمات الخاطئة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى نتائج خاطئة بالضرورة .
أما بالنسبة لتسمية السنة البابلية الآشورية فإننا كنا سنخوضفيها لو كان ينطبق عليها الفهم
القومي الذي يحتمي به هؤلاء المنظرون ، لا سيما وأن هاتين التسميتين تعودان لدولتين
سادتا ثم بادتا ، ولأنهما كذلك ولأن التاريخ الذي يعتمده البعض لا يعتمد على أسس قومية
فإن إضفاء أبعاد قومية على هذا المصطلح (بابلي آشوري) هو مجانبة للصواب وللواقع
التاريخي .
ولكن ماذا بخصوصما يروج له البعض بصفة (سنة قومية آشورية) ؟ وبالتالي ما هيّ حقيقة
التاريخ المعتمد لمثل هذه السنة لو كانت هنالك مثل هذه السنة القومية فعلاً ؟
أن ما يدعوني لتوضيح ذلك هو ترديد العامة لفكرة خاطئة هيّ آشورية أصل عيد الأكيتو
(العيد البابلي الكلداني) وأيضاً الإعتقاد غير الواقعي بقدسية الرقم الخيالي ٤٧٥٠ ق.م كبداية
لتاريخ (تقويم) دولة آشور الذي يردده كلدان الجبال (الآثوريون) بعفوية أو بقصدية تدعو
للإبتسام ، الأنكى أنه صار يستخدم بسبب من تكراره المبرمج حتى في كتابات المثقفين
والسياسيين الكلدان دون الرجوع للمختصين ودونما تفكير أو تمحيصفي جلية الأمر ؟!
بالنسبة لي كمختص لا يمكنني أن أقبل التاريخ البدئي للسنة (الآشورية) الخيالي ٤٧٥٠
ق.م ، لأن تاريخ الدولة الآشورية وهي هنا ليست الأمة الآشورية (المتخيلة الذي أثبتنا عدم
وجودها الواقعي) لا يتعدى ٧٥١ عام بحسب مؤسس الدولة الفعلي آشور أوبالط الأول
١٣٦٣ – ١٣٢٨ ق.م ، بل أنه لا يتعدى ١٢٠١ عام بحسب شمشي أدد الأول العموري
١٨١٣ – ١٧٨١ ق.م مؤسس دولة الإقليم ، لذلك فإن مثل هذا الرقم الخيالي المستخدم اليوم
٦٧٥٤ ق.م إنما يتجاوز على الواقع التاريخي من ناحيتين وهما :
- ١ أن التاريخ الفعلي للدولة الآشورية المنقرضة لا يتجاوز في أقصى حدوده ١٢٠١ سنة
أي منذ ١٨١٣ ق.م ولغاية ٦١٢ ق.م وهو التاريخ الفعلي للدولة الآشورية وهو بالضرورة
ليس التاريخ الخاصبالآشوريين الأوائل لأن الآشوريين الأوائل كما بينا هم (الشوباريون)
بناة مدينة آشور بحدود ٢٠٠٠ ق.م .
وعلى إفتراض أن تلك الدولة البائدة (آشور) ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا (بحسب
إدعاءات هؤلاء الموهمين) ، فإن تاريخها السياسي ما كان ليتعدى ٣٣٦٧ عام بحسب تاريخ
آشور أوبالط الأول ، أو ٣٨١٧ عام بحسب تاريخ شمشي أدد الأول ، ومع ذلك فإن هنالك
فارق زمني هائل بين التقويم الفنتازي الذي تعتمده الأحزاب الآشورية وبين التواريخ الفعلية
أو تلك المقترحة التي أفترضناها لغرضزيادة عدد السنوات الفعلية التي عاشتها تلك الدولة
المنقرضة ، وهذا الفارق الزمني الهائل لايقاس بعشرات أو مئات السنين وإنما يتراوح عملياً
بين ٥٥٥٣ عام وبين ٢٩٣٧ عام ؟!!
٢ أن الآشورية كما بينا ليست تسمية قومية ، لأنها ترتبط قبلياً بالشوباريين الذين لا تتعدى
معرفتنا بهم أكثر من أنهم كانوا مجاميع من الشعوب الهندوأوربية الجبلية البدوية ولا نعرف
هل كانوا يتحدثون بلغات متعددة أم بلغة واحدة مشتركة تجمع بين مجموع القبائل التي غزت
المستوطن الزراعي السومري الذي حوله كيكيا الشوباري بحدود ٢٠٠٠ ق.م إلى مدينة .
لذلك لا يمكن لنا أن نقطع بأصلهم العرقي وبشكل أدق هل كانوا عرقاً واحداً أم مجموعة
أعراق ؟
ذلك أن العديد من الشعوب حملت تسمية واحدة أخذوها عادة من المناطق أو الشعوب التي
سكنت في موقع ما قبلهم ، وخير مثال على ذلك تسمية (الحيثيين) وهم مجاميع قبلية كبيرة
من الشعوب التي تتحدث بثلاث لغات هندو أوربية مختلفة هي اللويانية والبلايكية والنسايتية
لكنها تسمت جميعاً بأسم الحيثيين بعد فتحهم لمركز هضبة الأناضول التي كانت تسمى محلياَ
حاتي ، وهو تماماً ما حدث للعموريين المنحدرين عن أسلاف الكلدان القدماء بعد فتحهم
لمدينة آشور الشوبارية حيث تكنوا بتلك التسمية الإقليمية بعد سكنهم في مدينة آشور ، ويؤكد
العالم ليو أوبنهايم ذلك بقوله : أن شمشي أدد الأول كان فاتحاً أجنبياً عمورياً (بمعنى غير
شوباري) أغتصب مدينة آشور (من الشوباريين) وحاول خلق دولة إقليمية في بلاد ما بين
النهرين العليا .
ولولا معرفتنا بلغة العموريين لما تمكنا من إرجاعهم عرقياً إلى أسلاف الكلدان القدماء ، ذلك
لأن لغتهم ليست أكثر من لهجة تتشابه مع لهجة الفترة الأكدية التي ترجع بدورها إلى اللغة
الأم أي لغة الأريدويين الكيشيين (نسبة لمدينتي أريدو وكيش) أي الكلدان الأوائل .
والآن وبعد أن بينا أن الرقم الخيالي للسنة الآشورية ليس أكثر من مغالطة غير علمية تفتقد
للمنطق وتتعارض مع الإثباتات المادية ، وبعد أن أثبتنا عدم صحة إطلاق صفة القومية
على مثل هذه السنة لجهلنا بتفاصيل الإنتماء العرقي للآشوريين الأوائل (الشوباريون) من
ناحية ، ولكون من تسموا من العموريين والآراميين والكلدان الجدد المهجرين من الإقليم
البابلي ليسوا من الشوباريين (بناة آشور) ، وبأن إطلاق هذه التسمية المجازية عليهم لا
تتعدى تسميتنا لجميع العراقيين من مختلف الأعراق اليوم بالعراقيين نسبة للإقليم (العراق)
، لذلك فإن أحفاد الكلدان الأوائل من مهاجرين أو مهجرين إلى إقليم آشور ليسوا آشوريين
قومياً ، لأن الآشورية لم تكن في القديم تسمية قومية ، ولأن هؤلاء المهاجرين والمهجرين
كانوا جميعاً ودونما إستثناء ينتمون لغة وعرقاً إلى الكلدان الأوائل سكان وادي الرافدين
الوسطجنوبيين الأصليين .
بقي تساؤل واحد وهو ، هل كان (أكيتوا) إبتكاراً من إبتكارات سكان إقليم آشور كما يدعي
البعضبذلك ؟
من المعروف أن دولة آشور كانت كما أشرنا سابقاً قد أنشئت كإقليم صغير على زمن الملك
العموري شمشي أدد الأول ١٨١٣ – ١٧٨١ ق.م ثم أختفت من المشهد العراقي لبضعة قرون
لوقوع الإقليم تحت الهيمنة الميتانية فالحيثية حتى ظهرت ثانية على عهد آشور أوبالط الأول
١٣٦٣ – ١٣٢٨ ق.م ، وحتى وقتذاك لم يصلنا أي دليل مادي على إعتماد الإقليم الشمالي
لمناسبتي زاكموك وأكيتي بسبب عدم إعتراف الغزاة الميتانيين والحيثيين بالمناسبات الوطنية
للإقليم البابلي التي كانت معروفة في العهد الأكدي وكانت أور الكلدان هي مركز الإحتفالات
الرسمي حتى أنتقل المركز إلى بابل في عهد السلالة البابلية الأولى .
الواقع أن هذا التقليد كان قد بدأ في أريدو ثم أنتقل إلى أوروك قبل أن يستقر في أور حتى
مطلع العهد البابلي القديم ، وفي الوقت الذي لا توجد فيه أية إشارة لممارسة إحتفالات
زاكموك وأكيتي في إقليم الشمال (قبل السلالة السرجونية) كما أشرت سابقاً ، فإن هاتين
المناسبتين كانتا معروفتين في الإقليم البابلي (سومر وأكد) منذ عصر أريدو بدليل أساطير
الخلق السومرية وأساطير رحلات آلهة المدن القديمة التي ذكرت أريدو وإلهها الرسمي
أيا والد الإله ماردوخو ، ولهذا يستخدم الكلدان تاريخ ( ٥٣٠٠ ق.م) كتاريخ بدئي للإحتفال
بمناسبة عيد رأس السنة الكلدانية البابلية لكون أريدو هي عاصمة الكلدان الأولى وبابل هي
قبلتهم .
أما عن تثبيت الإحتفال برأس سنة واحدة بدلاً من الإحتفال في مناسبتين (زاكموك وأكيتو) ،
فإن المدونات التاريخية تثبت بأن تنظيم الإحتفال بشكله النهائي إنما يعود إلى السلالة البابلية
الأولى التي يعود لها فضل إعتماد الأول من شهر نيسان وتعديل الطقوس الإحتفالية لتلك
المناسبة الهامة ، وقد نشرت ذلك مفصلاً في مجلة (بابل اليوم) في عددها الثالث السنة الثانية
١٩٩٩ م .
والحقيقة فإن مطلع الألف الثاني قبل الميلاد هو تاريخ حسم مكانة مناسبتي أكيتو وزاكموك
، إذ تم على عهد هذه السلالة العمورية التي تنحدر عن الكلدان الأريدويين الأوائل ترتيب
حلقات الحياة بشكلها شبه النهائي في حياة سكان ما بين النهرين ، سواء من الناحية الدينية أو
الإقتصادية أو الإجتماعية ومنها توحيد التقويم فصار الإحتفال الرسمي بعيد أكيتو في بابل
يمثل عيد رأس السنة ، ولا تجرى إحتفالات المدن الأخرى وبضمنها أحتفالات مدن كلخو
وآشور ونينوى إلا بعد الإنتهاء من الإحتفال الرسمي في بابل ، فيما صار يحتفل في الخامس
عشر من شهر أيلول بعيد التجدد أو عيد شجرة الحياة (النخلة المقدسة) .
وهكذا يتبين بأن العراقيين القدماء كانوا يحتفلون بعيد رأس السنة (أكيتو) بشكل رئيس
ومركزي في بابل ، أي أنه كان عيداً وسط جنوبي ولم يكن من إبتكار إقليم آشور ، كما أن
الوسط جنوبيين من الكلدان الأوائل كانوا يحتفلون به منذ عهد أريدو ٥٣٠٠ ق.م فيما لم
تعرف مدن الإقليم الشمالي هذه الإحتفالات رسمياً إلا في حدود ١٢٠٠ ق.م ، وذلك أثر نقل
توكلتي ننورتا الأول لتمثال الإله مردوخ (البابلي) إلى إقليم آشور مما أدى إلى إحتفال السكان
بعيد أكيتو الذي تدور أحداثه حول تنظيم مردوخ للكون وهو ما يدحضتماماً المغالطة التي
تشاع من قبل البعضحول عائدية عيد أكيتو لإقليم آشور .
في المقابل ، كنا قد أثبتنا إنحدار كلدان اليوم عرقياً عن الكلدان الأوائل الأريدويين ، ولأن
تاريخ أريدو كمدنية متميزة يرجع إلى ٥٣٠٠ ق.م فإن من حقنا نحن أحفاد الكلدان الأوائل
أن نحتفل بسنتنا القومية الكلدانية عن قناعة ومنطق علمي تسنده الإثباتات المادية مبتدئين
بعام ٥٣٠٠ ق.م .